تطور الإنسان لم يواكب العالم الذي أنشأناه. تشرح دراسة جديدة كيف أن أجسامنا لا تزال عالقة في العصر الحجري القديم، في حين أن الحياة الحديثة تسبب الإجهاد المزمن والتدهور البيولوجي.

على مدى ملايين السنين، تكيفت البيولوجيا البشرية مع عالم متوحش وغير متوقع ومليء بالتهديدات الجسدية. نعيش اليوم محاطين بالشاشات والمرور والإشعارات، لكننا ما زلنا نتصرف كما لو كان هناك أسد مختبئ وراء كل زاوية. تؤكد دراسة جديدة ذلك بوضوح: التطور لا يسير بنفس وتيرة الحياة الحديثة، وهذا التفاوت بدأ يؤتي ثماره.

تصف دراسة أجراها علماء من جامعتي زيورخ ولوغبورو تباينًا عميقًا بين الآلية البيولوجية التي ورثناها والضغط المستمر للبيئة الحالية. بعبارة بسيطة: التطور يتحرك بسرعة جيولوجية؛ أما الحداثة، فتتحرك بسرعة فائقة.

بيولوجيا الماضي تغمرها الحاضر

هذه الدراسة، التي نُشرت في مجلة Biological Reviews، تستشهد بعبارة شهيرة لإدوارد أو. ويلسون تبدو اليوم شبه نبوية: ”لدينا عواطف من العصر الحجري، ومؤسسات من العصور الوسطى، وتكنولوجيا من العصور الإلهية“. وقد تضاعف هذا الفارق بين ما نحن عليه وما نستخدمه منذ انفجار الذكاء الاصطناعي، وتسارع وتيرة العمل، والقصف المستمر للمحفزات.

يشرح الباحثون أن المفتاح يكمن في نوع الإجهاد الذي نعاني منه. خلال تاريخنا التطوري، كان الخطر يظهر بشكل محدد — هجوم مفترس، تهديد مباشر — ثم يختفي على الفور. كان الجسم يستجيب، ينشط ثم يعود إلى الهدوء.

اليوم يحدث العكس تمامًا: ”الحيوان المفترس“ لا يغادر أبدًا. الازدحام المروري، الضوضاء الحضرية، مواعيد العمل، الإخطارات المستمرة… ينشط الجسم نفس آليات البقاء التي كانت تنقذ حياتنا في السابق، ولكنه يفعل ذلك بشكل مستمر ودون توقف.

الأسد لم يعد يظهر… ولكنه لا يتوقف عن الزئير

يلخص الدكتور كولين شو ذلك بمجاز كاشف: إذا كان الأسد يأتي ويذهب في السابق، فإنه اليوم يزئير على مدار 24 ساعة. جسمنا، غير قادر على التمييز بين بريد عاجل وخطر حقيقي، يطلق هرمونات التوتر بشكل مزمن.

هذا التوتر المستمر يغير وظائف أساسية:

  • يصبح الجهاز المناعي مفرط الاستجابة، مما يزيد من الحساسية والأمراض المناعية الذاتية.
  • ينخفض عدد الحيوانات المنوية، وكذلك الخصوبة.
  • يتآكل الأداء المعرفي بشكل أسرع.
  • تنخفض القوة والقدرة على التحمل البدني.

هذه علامات على أن التكيف التطوري لم يعد يحمينا: إنه يعيقنا.

هل يمكن للتطور أن يلحق بنا؟ ليس في الوقت المناسب

مع 45٪ من سكان العالم يعيشون في المدن —وستصل النسبة إلى 66٪ في عام 2050— فإن عدم التوازن سيزداد. لا يمكن للتطور أن يولد طفرات مفيدة في غضون بضعة عقود؛ لكن المجتمعات يمكن أن تتحول في غضون سنوات.

لهذا السبب يصر الباحثون على أن الحل لن يأتي من علم الأحياء، بل من قرارات واعية: إعادة تصميم مدننا، وفهم المحفزات التي ترفع ضغطنا الدموي، وإعادة الاتصال بالبيئات الطبيعية، ووضع سياسات صحية تخفف من التوتر الذي لم يتعلم جسمنا أبدًا كيفية التعامل معه.

بشكل ما، ما زلنا بشرًا من العصر الحجري القديم نعيش في عصر تسارع التكنولوجيا. وحتى نحل هذه المفارقة، ستدفع البيولوجيا الثمن.

Wrap IT Movers